No further appointments at the State Office for Migration
In her essay, Widad Nabi reflects critically on belonging as reality or illusion, her experiences and feelings in Germany, and on exile not as a place but as an idea of feeling safe.
لامزيد من المواعيد في مكتب الهجرة.
حين وقفتُ قبل عامين أمام محطة انهالتر بانهوف حيث سيتم بناء متحف للمنفى في برلين، قلت لنفسي: هذا هو المكان المناسب لي ولقصائدي. فأنا نموذج جيد لفكرة المنفى، أنا التي لم تعد تشعر بالانتماء لأي مكان، لاسورية البلد الذي هربت منهُ فيما كنت أحاول جعلهُ مكاناً أفضل، ولا ألمانيا البلد الذي التجأت إليهِ كتعويض عن مكاني الذي فقدته. قلت، سيكون انتماءي لفكرة المنفى، المنفى الذي يصمد أمام الزمن وتغييرات الهوية ولا يحاول قتلك أو تهجيرك، ولا يمارس عنصرية وتمييز ضدك بسبب لون بشرتك ولغتك وجذورك. المنفى كفكرة وليس كمكان.
هناك في سورية / بلدي أنتميت لتاريخ المكان وروائح الأمكنة، انتميت لصخب أسواق حلب القديمة، حيث الباعة يفترشون كل زاوية وهم يعرضون بضاعتهم، التوابل العطرية، الأقمشة الملونة من ساتان وحرير مقصب، باعة الفضة والذهب، صابون الغار الحلبي، السجاد المصنوع يدوياً، انتميت لأزقتها القديمة وبيوتها التي تتوسطها أشجار الليمون والبرتقال ونافورات الماء، انتميت لورد الجوري الذي كان يملأ حارات وشوارع المدينة، فتركض نساء المدينة لشراءه وصنع مربى الورد وماءه منه، فتغدو المدينة مصنع عطر من الورد الجوري، انتميت لأرضية الحجرية في أحياءها، التي كانت تعيدني ١٠٠٠ عام من الزمن دفعة واحدة وأنا بذات المكان. حيث يبتسم الزمن بعذوبة في وجهي وهو يريني تبدلاته على قطعة حجرية، أو بيت، أو زقاق ضيق ويؤكد انه لاشيء يدوم إلى الأبد.
أما هنا في المانيا/ بلد اللجوء أو المنفى أو الوطن المتخيل البديل، أحببت كوني امرأة حرة، أعيش حريتي دون خوف، أتمتع بالديمقراطية، ولا أخاف من نظام مستبد قد يعتقل أي شخص بسبب ابداءه رأيه، اردت ان انتمي للحرية والاختلاف والتنوع الجميل الذي يجعل من هذا البلد أكثر جمالاً، أحببت الأدب والفلسفة الألمانية، بعض مقاهي برلين وبوابة عشتار في متحف برفامون والغرفة الخلبية التي تحتل الطابق العلوي. أحببت كون برلين تجمع بين ضفتي نهرها كل هذه الثقافات والشعوب، وتساعدهم ليجدوا مكاناً لهم تحت شمس المدينة.
وكثيراً ماأردت قول: انا أنتمي لهذا المكان الجديد. لكن سرعان ماكنت أغير رأي. لانني بعد كل هذه السنوات القاسية والتجارب لم أعد أشعر بهذه العاطفة ، لا تجاه بلدي ولا تجاه المانيا، قد يراوغني الحنين الى سورية فيخيل لي ان الحنين هو الانتماء، لكن حين انظر بعين العقل ادرك انني كائن لا منتمي.
عادة تحب الجموع او الجماعات الافكار الثابتة/ المغلقة، كالوطن والقومية والانتماء، حيث يصر الجمع على وضعك امام صندوق الانتماء الضيق، طالما انك تعيش هنا فعليك ان تنتمي لهنا. وتقولب نفسك وثقافتك واختلافك لتكون نسخة عن الجموع.
في الواقع حاولت مراراً قولبة مشاعري، جعلها تبدو مناسبة للأفكار الجاهزة هنا ، عن مفاهيم الانتماء والاندماج، حتى انني كنت أوهم نفسي ان هذا الانتماء سيأتي حين احصل وطفلي على الجنسية الالمانية، ونتوقف عن الذهاب الى مواعيد مكتب الهجرة لتجديد اقاماتنا كغرباء في هذا البلد الذي ندفع ضرائبه ولدينا صداقات مع سكانه، وتعلمنا لغته وأسسنا حياتنا من الصفر في مدنه، ورغمها كان يصر كل مرة مكتب الهجرة وكل الدوائر الحكومية الرسمية وقسم كبير من سكانه على التعامل معنا كغرباء طارئين وعابرين، كأنه كان يطالبنا أن ننغير لون بشراتنا ونلغي اللكنة الأجنبية في كلامنا وننسى كل الماضي الشخصي الخاص بما، حتى يقبلنا كأفراد من نسيجه. لذا كان مكتب الهجرة عدوي الللدود في هذا البلد، بكل موظفيه البائسين وبيروقراطيته اللاانسانية وتأكيدات الوثائق التي تؤكد كل مرة انني غريبة على هذه الأرض التي حين وصلتها أول مرة، وصلتها وفي جعبتي الكثير من الأمال والحب والاندفاع، لكن كانت البيروقراطية وتصورات الحكومة الألمانية الخاطئة عن الاندماج سبباً كبيراً، ليحل مكان الحب والاندفاع، الشك والقلق والاحساس بالغربة.
وهكذا وجدت نفسي بعد ٨ سنواتي أنا وطفلي مواطنان ألمانيان، نحمل الحواز الألماني. ودون المزيد من مواعيد في مكتب الهجرة.
لكن ماحصل كان غريباً جداً..
منذ أصبحت مواطنة ألمانية ومشاعر عدم الانتماء تكبر لدي، ماالذي يجعل من فكرة الانتماء صعبة لهذه الدرجة؟! لماذا لا أستطيع ان انتمي لهذا البلد الذي منحني الامان؟!
أهي المواقف التي اعيشها كل فترة أنا أو غيري من الأصدقاء والمعارف والتي تبين الجانب العنصري من البلد الذي اصبحت مواطنة فيه؟! حين أخذت منذ أسابيع مع طفلي القطار المتجه من برلين لكارلسروه، قمنا بحجز مقعد في القسم المخصص للأطفال، كان معنا في العربة أمهات ألمانيات مع أطفالهن، كنا شديدات البرود والحيادية، وضعنا بيني وبينهن مسافة، جعلنني أشعر انني وطفلي في مكان غريب، احداهن تحدثت معي بالانكليزية قبل ان ان تعرف أي لغة اتحدث، افتراض مسبق لان شكلي ليس ألمانياً كفاية، تكرر وجودي مع أمهات اخريات في رحلة العودة وكانت التصرفات مشابهة، لوهو ماجعلني أفكر أكثر بفكرة الانتماء ، مااالذي يجعل القطيع البشري يشعر انه منتمي لفئة ما، وماالذي يجعله يشعر ان الآخر ليس مؤهلاً للانضمام للجماعة! أليست هذه الذهنية(ذهنية العداء للغريب وعدم تقبله) في ألمانيا هي سبب كبيرٌ بمشاكل الهوية التي يعاني منها المهاجرون القدامى مثل الأتراك الالمان وغيرهم من المهاجرين الذين أصبح لهم في هذا البلد عقىد طويلة ولم يعد لهم من وطن سوى ألمانيا، أقول ألا يمكن أن تكون هذه الذهنية الجمعية سبباً لمعاناة القادمين الجدد في هذا البلد؟! ألا ينبغي العمل على تغييرها أولاً اذا اردنا حقاً من المهاجرين القدامى والجدد ان يشعروا بالانتماء لهذا البلد؟!
في كتاب الجماعات المتخيلة لبندكت اندرسن يقول: الانتماء يقوم على المحبة وليست المصلحة. وهذه المحبة أحملها في داخلي تجاه هذا البلد، وأعرف كثير من المعاجرين الذي يحملونها، لكن يبدو ان هذه المحبة يجب ان تكون من طرفين، المجتمع المضيف والمهاجر، اذا حين تكون متبادلة، يصبح مفهوم الانتماء مثل مفهوم الصداقة شيء يأتي مع التجربة والوقت.
أأحياناً أفكر انني ربما نضجت كفاية حتى اعرف ان كل افكار الانتماء والوطنية هي كذبات يصنعها الساسة والرأسماليات العالمية حتى يجعلوا الشعوب تعيش في وهم الحدود والهوية والقومية، وبالتالي يصبح من السهل توجيهم وابتكار حروب وصراعات باسمهم، يصبح من السهل جعلهم يتمترسون في صف واحد ضد شعوب بأكملها. يصبح من السخل ان تجعل شخصاً يقتل شخصاً أخر فقط لانهُ غريب. صناعة الكراهية تماماً مثل صناعة السلاح، صناعة رابحة تجيدها الرأسمالية العالمية وأنظكتها السياسية والاقتصادية.
من وجهة نظري الشخصية قد يكون الانتماء وهماً، وقد يكون حقيقة، كما يقول عنها بندكت اندرسن: انه قدرتنا على تخيل رابط بيننا وبين غيرنا، هذا مايصنع الانتماء. وهو ماسيساعد المهاجرين والقادمين الجدد على صنع هذا الرابط ، وهو ممكن جداً، لكنه يحتاج لمدّ الجسور من كلا الطرفين.
لكن إذا سألت نفسي اليوم بعد مرور ٨ سنوات في ألماتيا، وبعد حصولي على جنسيته، وبعد كل الذكريات المرة التي عشتها بعد الحرب في بلدي
أدرك انني كفرد انتمي لفكرة المتفى الهائلة..
حيث لاحدود ولا جوازات سفر، لا هوية ولالغات اجنبية أو لغات أم، لاصراعات بين اليمين واليسار، حيث ليس هناك احزاب تطالب بطردك من بيتك ومدينتك، حيث لا احد يمارس عنصرية على طفلك في حضانة الأطفال، ليس هناك حكومة تريد قتلك اذا طالبت بالحرية والديمقراطية، ليس هناك نظام يقصف شعبه بالبراميل والطائرات لانه هتف ضده في مظاهرات.
في فكرة المنفى ومتحفه أعيش واستيقظ وانام واحلم كل يوم. وأريد ان أموت ذات يوم بداخل مقبرتها.
وداد نبي.
No further appointments at the State Office for Migration
Two years ago, I stood in front of the Anhalter Bahnhof in Berlin. A museum of exile was to be built there. I said to myself, “This is certainly the right place for me and my poems, because I am a prime example of this idea of exile. I don’t feel I belong anywhere, not to Syria, from which I fled just as I was trying to turn it into a better place, but also not to my place of refuge, Germany, the alternative to my lost country.
And I said to myself: “I will be a champion of the idea of exile, an exile that remains steadfast in the face of changes in time and identity and does not try to persecute or expel you, but also does not tolerate racism and discrimination based on skin color, language, origin or cultural roots. The exile would then be for me an idea and not a place.
In my country, Syria, I used to belong to its history and I knew my way around the smells there. I belonged to the hustle and bustle of the old markets of Aleppo, where the merchants spread their wares in every corner: fragrant spices, colorful fabrics of satin and brocade silk, then the silver and goldsmiths, the stalls of laurel soap from Aleppo and the hand-woven carpets. I belonged to the old alleys of the city and the courtyards with their lemon and orange trees and their water fountains, also to the Damascene roses that once filled the alleys and streets of the city with their fragrances. The women of the town hurried to buy the roses and made rose jam and syrup from them. Then the whole city smelled of roses.
I belonged to the stone floors in the neighborhoods of the city that unexpectedly took me back a thousand years in time, without leaving the place. A place where time smiled kindly at me and showed me its past centuries on a piece of stone, in a house or a narrow alley, and made me realize that nothing lasts forever. But here in Germany, in the land of my refuge, exile or supposed substitute home, I wanted to be a free woman, to live my freedom without fear, to enjoy democracy and no longer have to be afraid of a tyrannical regime that could arrest anyone for expressing any opinion.
I wanted to belong to the freedom, diversity and colorful diversity that makes this country more beautiful. I loved German literature and philosophy, some Berlin cafes, the Ishtar Gate in the Pergamon Museum and the Aleppo Room upstairs.
I loved how Berlin, on both sides of its river, brings all these cultures and peoples together and helps them find a place for themselves under the city’s sun.
Many times I wanted to announce that I belong to this new place. But soon I changed my mind, because after all these hard years and experiences I don’t feel that way anymore, neither to my country nor to Germany.
Because when I review everything in my mind’s eye, I realize that I am a being who does not belong anywhere.
Sometimes I am overcome with longing for my country Syria and I think that this longing means belonging, but when I think about it with my mind, I realize that I am still a stranger.
The masses or the groups usually love fixed, closed ideas of homeland, nationalism and belonging. The masses insist on putting you in a box of belonging. As long as you live here, you will belong here. You mold yourself after their culture to be a copy of the masses.
In fact, I keep trying to simplify my feelings to fit the prevailing ideas and concepts of belonging and integration. I even lived under the illusion that if I were granted citizenship with my child, then I would no longer need to go to the State Office of Immigration to renew our residence permit like a stranger in this country where we pay taxes, speak the language, and make many friends.
Nevertheless, the State Immigration Offices, the government agencies and a large part of the population kept insisting on considering us as temporary strangers. Were we supposed to change our skin color, overcome the accent in our German language, and forget our entire personal past so that they would accept us as members of their fabric?
The State Office of Immigration was my nemesis in this country, with all its miserable civil servants, its inhuman bureaucracy and the pile of documents that confirmed every time that I was a stranger in this country.
When I came to Germany, I had a lot of hope, got a lot of sympathy and was excited, but the bureaucracy and the German government’s misconceptions about integration were the reason that love was replaced by hectic, doubt, fear and the feeling of alienation.
After eight years, I and my child had become German citizens and now have a German passport. No more appointments at the immigration office.
But what happened after that was very strange. Since I have had German citizenship, the feeling of not belonging has intensified in me. Why is the thought of belonging so troublesome? Why can’t I belong to this country that has given me security?
Is it the situations that I or other friends and acquaintances experience here from time to time? That shows the racist side of the country in which I became a citizen?
The other day I took the train from Berlin to Karlsruhe with my child. I had reserved a seat in the children’s compartment. German mothers and their children were sitting there with us. They kept their distance from us. I had the feeling that I and my child were in a foreign place. One of them spoke English to me without knowing what language I spoke because I didn’t look like a German. On the way back, I experienced the same situation. That made me think more about the idea of belonging.
Where does the feeling of people to belong to a group come from, what is the reason to exclude the others from the group?
Isn’t this xenophobic ideology in Germany a main reason for the identity problems of old migrants like the German Turks, who have been living in this country for a long time and have no other home than Germany? I ask: Couldn’t this collective mindset be a reason for this misery of the newcomers in this country? Shouldn’t we work to change it first if we really want the old and new immigrants to feel that they belong to this country?
In his book “Imaginary Communities,” Benedict Anderson writes that belonging is based on love, not interest.
I carry this love for this country inside me and I know many emigrants who carry this love inside them. But this love should come from both sides, from the host society and from the immigrants. So if it is reciprocal, the concept of belonging is similar to the concept of friendship, which comes with experience and time.
Sometimes I think that maybe by now I am mature enough to know that all notions of belonging and patriotism are lies created by politics and global capitalists to make people live in the illusion of borders, identity and nationalism.
Thus, it becomes easier to instigate wars and conflicts in their names. It becomes easy to make them turn in a line against whole peoples. It also makes it easy to get someone to kill another human being just because he is a stranger. The hate industry, like the arms industry, is a profitable industry in which global capitalism and its political and economic systems complement each other.
In my opinion, belonging can be an illusion or a reality, as Benedict Anderson says, “It’s our ability to imagine a connection between ourselves and others. That’s what creates belonging.” For migrants, that’s what helps them connect, and it’s entirely possible, but it requires both sides to build bridges. But after eight years in Germany, after receiving my citizenship and after all the bitter memories I experienced in my country after the war, I realize that as an individual I belong to the big idea of exile, where there are no borders or passports, no identity, no foreign languages or mother tongues, no conflicts between right and left, where there are no parties demanding expulsion from the homeland and the city, where no one practices racism against my child in kindergarten, where there is no government that wants to kill you if you demand freedom and democracy, where there is no regime that bombs its population with barrels and planes because they chanted against it at demonstrations. In the idea of exile and his museum, I live, wake, sleep and dream every day. I would like to die in its grave one day.
Translation by Minor on the base of the german translation from the arabic by Suleman Taufiq El-Auwad.
Widad Nabi was born in Kobani and now lives in Berlin. The Syrian-Kurdish writer studied economics in Aleppo. She has published numerous texts in newspapers and magazines. In Germany, she published in the Berliner Zeitung, SPON and Kursbuch, among others. Her first book in German was published in 2019. In 2018 she received the first “Weiterschreiben-Stipendium Wiesbaden”.