“Homeland” and “AlGhurba”… Re-dismantling the terminology in exile
In her essay, Nazeeha Saeed critically examines the concept of “homeland” and analyzes the connotations that can go along with it, such as loyalty and nationalism. She considers her own relationship to the homeland, where she lost her rights, had to leave, and is now considered a traitor. She relates her experience of migration to the meaning of “AlGhurba”: alienation.
“الوطن” و”الغربة”.. إعادة تفكيك المصطلحات في المنفى
نزيهة سعيد
يتم تغذيتنا مجتمعيا منذ الصغر على حب الوطن، والوطن هنا هو البلد الذي يأتي أجدادك أو أحدهما، أو والدّيك أو أحدهما منه، أو وُلدت أنت فيه، وتتضمن الحزمة أيضا الشعور بالانتماء لهذا البلد، والولاء لعَلمِها والذود عن أرضها وكيانها ووجودها، وكذلك قادتها أو حكامها أو حكومتها في بعض الأحيان، والغضب في حال قيل عنها شيء سيء، أو تم الكشف عن حالها المتردي سياسيا أو حقوقيا أو اقتصاديا، كل ذلك يأتي في شكل حزمة واحدة تتسلمها منذ الولادة اتجاه أرض أو بلد معينة دون مقابل.
تلزمنا هذه الحزمة بهذا الولاء الذي يرقى في الكثير من الأحيان ليكون شعبويا أو قوميا، أي يرى الأشخاص المنتمين/ات لبلد معين عبر الجنسية أو الولادة أو العاطفة إنهم/ن ووطنهم/ن أو بلدهم/ن أفضل من أوطان وبلدان أخرى، تلزمنا بالعديد من المسئوليات التي تصل في بعض الأحيان حد التطرف في التعبير عن الانتماء له أو حبه أو تشجيعه، والموت في سبيله عبر المشاركة في عمليات عسكرية عند الدفاع عن الحدود أو محاربة معتد خارجي أو محتل، أو الاعتداء على أرض وبلد أخرى ترى بلدك أن من حقها القيام بذلك.
من حيث أتيت، في الغالب لا تتضمن هذه العلاقة أي مسئولية على هذا الوطن، فلا عتب عليه إن لم يوفر الأمن، الحقوق الأساسية، الراحة والرفاهية والكرامة، المسئولية من طرف واحد، على الأفراد الذين ينتمون لهذا البلد/ الوطن بأن يحبوه ويدافعوا عنه، ويوالونه طوال حياتهم/ن.
كل تلك الحقائق والتجربة المُعاشه، قادتني لطرح العديد من الأسئلة حول الوطن وماذا يجب أن يكون، وزادت هذه الأسئلة عندما اضطررت لمغادرة البلد الذي وُلدت وعشت فيه أغلب حياتي، ما هو “الوطن”، تعريفه، معناه، حدوده وكل ما يأتي مع هذه المعاني من مسئوليات ومشاعر وتصرفات وحتى قرارات مصيرية في الحياة.
عادة ما نجد تعريفات الوطن مرتبطة بالمشاعر والقيم العليا والمثالية، وأيضا مرتبطة بمفاهيم كبرى كالتاريخ والهوية والانتماء والشعب، بينما في اللغة العربية، الوطن هو مكان الإنسان ومحله، أينما استوطن الانسان، أي استقر وعاش، يسمى وطنا، ولكنه اليوم أيضا عبارة عن المكان الذي يرتبط به الشعب ارتباطا تاريخيا، المنطقة التي تتولد فيها الهوية الوطنية، الفكرة العليا التي تضم أكثر من الأرض والنظام السياسي والاجتماعي والأنظمة الحاكمة والشعب واللغة، هي كل ذلك وأكثر.
ففي لسان ابن منظور الوطن هو “المنزل الذي تقيم فيه وهو موطن الإنسان ومحله يقال أوطن فلان أرض كذا وكذا اتخذها محلا ومسكنا يقيم فيه” بعيدا عن الوطنية والولاءات التي تحولت من الولاء لكيان كامل متكامل إلى ولاء لسلطة معينة فقط في بعض الأحيان، وما دونها خيانة.
ومن هنا جاءت إعادة النظر في مفهوم “الوطن” الذي كبرت عليه، ماهيته، وما المطلوب مني اتجاهه.
أنا على سبيل المثال: أحمل جنسية بلد ما، ولكن حقوقي مسلوبة فيه كمواطنة، وكامرأة وكصحافية، مع العلم إنه مطلوب مني كذلك بالمفهوم الذي تروج له السلطة أن أكون موالية للحكم، أي العائلة الحاكمة، وإلا فإنني خائنة ومارقة، وهو أمر يتعارض مع فهمي وإيماني بالديمقراطية والحكم الرشيد والعدالة ومحاربة الفساد التي أطالب بها.
لا أحبذ اليوم استخدام هذا المصطلح الكبير والواسع، “الوطن”، أنا اليوم مستوطنة في بلد غير الذي وُلدت فيه، وتتوفر لي فيه الحماية والحرية، وأُعامل كإنسان متساو مع الآخرين، لي نفس الحقوق وعليّ نفس الواجبات، تقريبا.
وبالرغم إنني أحمل خصائص اجتماعية معينة، وقيم ومبادئ معينة وعادات وتقاليد بعضها من بلدي الأم، وبعضها من المنطقة الجغرافية التي تقع فيه بلدي، ومن المناخ الاجتماعي والديني والثقافي هناك، تختلف قليلا أو كثيرا عن المكان الذي أعيش فيه الآن، إلا إنني الأثنين معا، وربما الثلاثة معا، بحكم إنني عشت في بلد آخر قبل الانتقال إلى ألمانيا، أو أنني خليط من كل تجاربي ورحلاتي والمواقف الصعبة والجميلة التي قابلتها، فأنا اليوم لا أمثل مكانا واحدا، ولكنني أمثل نفسي.
أصبح للكثير من المصطلحات معنى آخر بعد تجارب المنفى، وقع آخر، بعضها أصبح أكثر قربا، والبعض الآخر بعيدا وغريبا وغير مألوفا.
التساؤلات قادني أيضا للتساؤل عن معنى الغربة، الاغتراب، وأحاسيسه، والفرص التي يأخذها وتلك التي يعطيها، كل الطبقات من التحديات التي علينا أن نواجهها من الأحاسيس والمشاعر، إلى التعريف بالذات في مكان آخر، إلى بناء قاعدة من الاستقرار إلى البيروقراطية والعنصرية وغير المألوف.
فقد أصبح هذا المصطلح قريبا مني في تجربة الانتقال للعيش خارج البلد الذي وُلدت وتربيت فيه، “الغربة”، الذي يعني في اللغة العربية “بعد وتنحَّى، وغرب الشيء أي لم يعد مألوفًا، واغترب الشَّخص أي نَزَح عن وطنه فهو مغترب؛ أي إنَّ الفردَ يترك بلده مضطرًّا أو طواعية نتيجة إحساسه بالضَّعف، أو الخوف، أو الضياع وعدم الأمان من تقلباتِ الزمنِ الرديء الذي يعيشُ فيه”.
الغربة في المعجم الوسيط هي النَّوَى والبعد والحدة، والغربة تأتي من الغرابة، أي أن يصبح الإنسان في وسط غريب عليه، كما إنها تعبير عن حالة كاملة من الاغتراب، أي العيش في مكان آخر غير مألوف وأيضا المشاعر السلبية المرافقة للانقطاع عن العائلة أو الأصدقاء أو الوطن وكل ما هو مألوف من ثقافة وأكل وطقس.
هناك مقولة يتداولها النَّاس تقول: “الفقرَ في الوطن غربة والغنى في الغربةِ وطن”، ولها عندي وقع كبير، فهي عميقة بعمق معنى الوطن والغربة وبقية المصطلحات بينهما، فالفقر أو العوز أو الذل يجعلك في وطنك، المكان الذي يجب أن يكون مصدر عزك وحقوقك واحترامك، غربة لا تجد فيها من نصير ولا أنيس، فيما الغنى بكل ما يعنيه من الحالة المادية إلى غنى الروح والعزة والكرامة يجعل من المكان الغريب الذي لا صاحب لك فيه، وطنا ومسكنا آمنا.
تعاظم مفهوم الغربة في فترة الجائحة، عندما كنا نقضي أياما وأسابيع دون أن نرى أحدا، دون أن يكون هناك تواصل إنساني، إلا عبر الأجهزة الذكية، والتكنولوجيا الحديثة، عشت غربة صعبة وعميقة وحزينة، تضمنت كل الأحاسيس التي كنت أسمع عنها ولم أختبرها، من ألم أن تكون غريبا وبعيدا عن كل من تحب، عن كل ما هو قريب من قلبك، إلى عدم الألفة للمكان والطقس والأجواء، كانت تفاصيل صغيرة تهون هذه “الغربة” كمكالمات والدتي، وجبة دافئة، رائحة بخور، وغيرها، لتنير ظلام الغربة وصعوبتها.
“Homeland” and “AlGhurba”… Re-dismantling the terminology in exile
We are fed socially from childhood on the love of the homeland “Alwatan”, in Arabic “Alwatan” the homeland means here: the country from which your grandparents or one of them, or your parents or one of them come from, or you were born in.
The package also includes a sense of belonging to this country, loyalty to its flag and defending its land, entity and existence, as well as its leaders, rulers or government sometimes, and getting angery if something bad was said about it, or its deteriorating political, human rights or economic condition was revealed, all of this comes in the form of one package that you receive from birth towards a specific land or country without return.
This package obliges us to this loyalty, which often amounts to populism or nationalism, it means, the people who belong to a certain country through nationality, birth, or affection see that they and their homeland or country are better than other homelands and countries.
It commits us to many responsibilities that sometimes reach the point of extremism in expressing our affiliation, love, or encouragement, and dying for it by participating in military operations when defending borders or fighting an external aggressor or occupier, or attacking another land and country that your country deems it has the right to do so.
From where I come from, this relationship usually does not include any responsibility for this country, so there is no blame on it if it does not provide security, basic rights, comfort, luxury and dignity. It is a unilateral responsibility for the individuals who belong to this country / homeland to love it, defend it, and be loyal to it throughout their lives.
All these facts and lived experience led me to ask many questions about the homeland and what it should be, and these questions increased when I had to leave the country in which I was born and lived most of my life, what is “homeland”, its definition, meaning, borders and everything that comes with these meanings of responsibilities, feelings, actions and even fateful decisions in life.
We usually find definitions of the homeland in Arabic linked to feelings, supreme and ideal values, and also linked to major concepts such as history, identity, belonging, and the people, while in the Arabic language, homeland means is the place and location of the person. Wherever a person settles, that is, settles and lives, it is called a homeland, but today it is also a place to which the people are historically linked, the region where the national identity is born, the supreme idea that includes more than the land, the political and social system, the ruling regimes, the people and the language, it is all that and more.
In the tongue of Ibn Manthour, “Alwatan” the homeland is “the house in which you reside, and it is the home of a person and his place. It is said that the homeland of so-and-so is the land of such-and-such, and he took it as a place and a dwelling in which he resides” away from patriotism and loyalties that turned from loyalty to a complete and integrated entity to loyalty to a certain authority only in some cases, and what is below that is treachery.
Hence came a reconsideration of the concept of the “homeland” in which I grew up with, what it is, and what is required of me towards it.
Me for example: I hold the nationality of a country, but my rights as a citizen, as a woman and as a journalist have been taken away from me there, never the less I am also required by the concept promoted by the authorities to be loyal to the government, i.e. the ruling family, otherwise I am a traitor, which contradicts my understanding and belief in democracy, good governance, justice and the fight against corruption that I demand.
Today, I do not like to use this big and broad term, “Alwatan” homeland. Today, I am settled in a country other than the one in which I was born, and I have protection and freedom in it, and I am treated as an equal human being with others, with almost the same rights and duties.
Although I carry certain social characteristics, values, principles, customs and traditions, some of which are from my home country, and some from the geographical area in which my country is located, and from the social, religious and cultural climate there, which differ little or much from the place in which I live now, but I am both together, and perhaps all three together, by virtue of having lived in another country before moving to Germany, or I am a mixture of all my experiences and trips and the difficult and beautiful situations that I met, because today I do not represent one place, but I represent myself.
Many terms acquired another meaning after the experiences of exile, another event, some of them became closer, while others are far away, strange and unfamiliar.
The questions also led me to question the meaning of “AlGhurba” alienation, alienation, its feelings, the opportunities it takes and those it gives, all the layers of challenges that we have to face from feelings, to self-identification elsewhere, to building a base of stability to bureaucracy, racism and the unfamiliar.
This term has become close to me in the experience of moving to live outside the country in which I was born and raised, “AlGhurba” “alienation”, which means in the Arabic language “away and moved away, and the alienation of something, that is, it is no longer familiar, and alienation of a person, i.e. displacement from his homeland, he is an expatriate; that is, the individual leaves his country forcibly or voluntarily as a result of his feeling of weakness, fear, or loss and insecurity from the fluctuations of the bad time in which he lives.”
“AlGhurba” Alienation in the intermediate lexicon is nuclei, distance, and intensity, and alienation comes from strangeness, that is, that a person becomes in a strange environment, and it is also an expression of a complete state of alienation, that is, living in another unfamiliar place, as well as the negative feelings associated with cutting off from family, friends, or the homeland and all that is familiar from culture, food and weather.
There is a saying circulated by people that says: “Poverty in the homeland is alienation, and wealth in alienation is homeland.” And it has a great impact on me, as it is deeply rooted in the meaning of “Alwatan” homeland and “Alghurba” alienation and the rest of the terms between them. Poverty, destitution, or humiliation makes you in your homeland, the place that should be the source of your glory, your rights, and your respect, a stranger in which you will not find any helper or companion, while richness in all that it means from the material condition to the richness of the spirit, pride and dignity makes the strange place where you have no friends, a home and a safe dwelling.
The concept of “AlGhurba” alienation grew during the period of the pandemic, when we used to spend days and weeks without seeing anyone, without human contact, except through smart devices and modern technology. I lived a difficult, deep and sad estrangement, which included all the sensations that I used to hear about and did not experience, from the pain of being a stranger and far from everyone you love, from everything that is close to your heart, to the lack of familiarity with the place, the weather, and the atmosphere. Small details made this “estrangement” easy, such as my mother’s calls, a warm meal, the smell of incense, and others, to illuminate the darkness and difficulty of estrangement.
Nazeeha Saeed, is a Bahraini Journalist based in Germany, with more than 24 years experience in journalism and human rights issues in the Gulf region and the SWANA in general. Nazeeha focus work is on Human rights, politics and gender. She studied English Literature & Psychology in University of Bahrain. Living in exile since 2016 because of her journalist work. Saeed won several awards like Johann-Philipp-Palm- Award for Freedom of Speech and Press 2014, Heikal award for Arab journalism. She is also Journalist Security & Safety, Gender journalism Trainer. Saeed’s work could be found on Raseef22, Awmaj.media, Muwatin.net. and other independent platforms. She served on the jury of Interfilm Berlin 36th International Short Film Festival Berlin 2020. She co-write “We Shall Bear Witness” and “Kein Land, nirgends”.